أهم ما يمكن أن نرصده عندما نتحدث عن حي الجمالية أننا فى هذا الحي بالذات لا نتعرض لتاريخ مصر فى القرن العشرين فقط ولا حتى فى القرن التاسع عشر بل أنه بمجرد أن نضع أقدامنا فى الجمالية نعود للوراء قرونا عديدة ونسير فى شوارع مر عليها خلفاء وملوك وأمراء من دول مختلفة حكمت مصر وتراكمت أثاراها يوما بعد يوم حتى وصلت للأحفاد .
و قد سمي حي الجمالية - والذي يرجع الى بدر الدين الجمالى وزير الخليفة المستنصر- هو المسمى الرسمي لهذا المكان الذى يضم مسجدي الحسين والأزهر وبالتالي خان الخليلي والغورية وغيرها من الأماكن فى هذا المربع الأثري إلا أن أهالي المكان وزواره لا يستخدمون اسم الجمالية كثيرا فى معاملاتهم اليومية فكل أجزاء هذا الحي شهيرة فى حد ذاتها .
وإذا أردنا أن نتعرف على تاريخ وواقع الجمالية فالقراءة أو الاستماع لحكايات الأهالي وحدها لن تكفي أبدا بل أن الحل الأمثل هو التجول داخل كل شوارع هذا المكان والتركيز على حوائطه وأبوابه ووجوه البشر فهذا كفيل لنقل مختلف المشاعر والأحاسيس إلى داخل الإنسان وأن كان هناك عائق كبير وهو الزحام والعشوائية التى تحيط بالمكان .
ونبدأ من العتبة ونستخدم شارع الأزهر وعندما نصل إلى كوبري المشاة المعدني الذي يربط بين جانبي الشارع سنصاب بالحيرة على الفور ففي هذا المكان ينفصل شارع المعز لدين الله الفاطمي أطول شارع أثري فى العالم - 4800 متر - إلى اتجاهين شرقا وغربا وأن كان الجزء الشرقي الأقصر طولا ولهذا يمكن أن نبدأ به وأول ما سيطالعنا قصر الغوري ووكالة وكتاب وسبيل الغوري التى أنشأ فيها مركز أصالة لرعاية الحرف والفنون الإسلامية والتقليدية؛ لينعش التدريب عليها والاحتفاء بها وينقذها من الاندثار،والمجموعة مغطاة الآن بستارة خضراء ضخمة نتيجة أعمال الترميم المستمرة منذ سنوات وبمجرد الدخول فى حرم الشارع تختلف الأمور كثيرا فرغم الزحام يصل للزائر فورا الإحساس بالزمن الجميل سواء عن طريق روائح البخور التى تنتشر فى المكان كله أو حوائط المباني القديمة وعربات المشروبات المصرية الخالصة مثل التمر هندي والسوبيا والخروب وأن كانت المباني تئن من حمل الأحفاد الذين حولوا شبابيكها إلى معارض لبضاعتهم معظمها من الملابس رخيصة الثمن لكل الفئات ويجذب الانتباه على يمين الشارع وجود محلين للطرابيش ما زالا يعملان حتى الآن وفى خلفية المحل توجد مساحة واسعة أشبه بالتراس فى القصور القديمة وكانت مخصصة قديما لكبار الزوار فى فترة ما قبل الثورة وأمام المحل وبجواره يوجد شارع الكحكيين وحارة الزيت نسبة إلى صناع الكحك وتجار الزيت ومن السهل اكتشاف أي هذه الأسماء فقط هي الباقية أما الصناعات فقد اندثرت ما عدا شارع الخيامية .
وكل بضعة أمتار يظهر أثر جديد فعلى اليسار يقع جامع الفكهاني - الأفخر سابقا - وفى وسط الشارع سبيل محمد علي مؤسس الأسرة العلوية وجامع المؤيد شيخ وجامع الصالح طلائع ومعظمها يختفي وراء أعمدة الترميم التى أصبحت مكانا مناسبا لتعليق بضاعة المحلات المجاورة للآثار أما أروع ما فى المكان فهو باب زويلة بعد تجديده وافتتاحه مؤخرا فالبوابة عادت لرونقها القديم والأبواب الحديدية الضخمة تقف فى شموخ تتحدي الزمن فقد مر عليها الجميع وبقيت هي شاهدة على كل العصور ولعل أهم ما نتذكره تحت باب زويلة إعدام رسل التتار بقرار من السلطان المظفر قطز وبعد البوابة يظهر من بعيد شارع الخيامية بألوانه المتميزة والذي يعيش حالة من الهدوء بسبب المظلة المقامة فوق الشارع لأغراض الترميم وأضفت عليه طابعا خاصا ورغم ضوضاء السيارات التى تسبب إزعاجا بسبب ضيق الشارع وكثرة الدرجات البخارية إلا أن الفنانون المهرة ما زالوا قادرين على التحكم فى أدواتهم فسيقع نظرك يمينا أو يسارا على صنايعى خبير يمسك بقطعة قماش يزينها بأنامله فى تركيز شديد وكأنه فى عالم مستقل والتوغل أكثر من ذلك يقودنا لحي الدرب الأحمر .
وعندما نصل لشارع الأزهر يكون هناك خيارين أما استخدام كوبري المشاة للعبور للجزء الغربي من شارع المعز أو التوجه يمينا نحو مجموعة الأزهر وهو الأفضل حتى تتكامل الجولة وسنمر فى الطريق على مسجد محمد بك أبو الدهب وهو مغلق حاليا و على بعد خطوات يقع خان الزراكشة الأثري ، و على الرغم من قيمته الأثرية والمعمارية الكبيرة إلا أنه لم يعرف بالتحديد من الذي أنشأه عرف خان الزراكشة قبل تعديل تاريخ نشأته بوكالة أبوالدهب باعتباره من عهد بناء .
ثم نصل لجامع الأزهر العتيق وعمر الأزهر هو عمر القاهرة وكل مرحلة فى تاريخ مصر تم تسجيل ملامحها على جدرانه من المظلة الفاطمية أول جزء تم بناءه فى المسجد , مرورا بباب قايتباى الذى يمثل اهتمام دولة المماليك بالجامع , ثم مظلة الأتراك الموجود بها حاليا المنبر والقبلة والتي تم بناؤها فى عهد العثمانيين , بالإضافة إلى اللافتات المحفورة على جدران الجامع وتدل على مدى اهتمام أبناء أسرة محمد على فى القرنين التاسع عشر والعشرين بعمارة وتجديد الأزهر , وفى المركز من كل هذا يقع المنبر الشهير وتاريخ بنائه يعود لعام 970 ميلادية أما أول صلاة جمعة فكانت فى 7 رمضان 361 هجرية 972 ميلادية ,وأصحاب الفكرة هم الفاطميون اللذين أرادوا أن يكون الأزهر مركزا لنشر المذهب الشيعي.
ونخرج من الباب الخلفي للجامع للتجول خلفه قليلا ليظهر بيت زينب خاتون ومنزل الهراوي ومره أخري نعود للخلف لنتجه إلى نفق المشاة القديم الذى يربط بين الجامع الأزهر ومشيخة الأزهر القديمة ومن خلاله نصل إلى ميدان سيدنا الحسين .
وفى شارع المشهد الحسيني وباقى شوارع المنطقة تنتشر الفنادق واللوكاندات القديمة وأولها فندق الحسين ونمر بعد ذلك بنور الصباح والأزهر الشريف ورضوان والفردوس وتوجد اللوكاندة الحسينية أمام باب المسجد الشرقي مباشرة أما أقدم فندق فى المنطقة فهو فندق الصفا والمروة يعود تاريخه لعام 1901 وهو يقع فى شارع خان جعفر ويكتسب الفندق أهمية تاريخية لأنة كان يسمي الكلوب العصري بعد إنشائه حيث كان يتم رفع كلوب كبير على سطح الفندق ليضئ ما حوله وكان القادمون من محطة مصر يشاهدون نور الكلوب من ميدان باب الحديد .
والمرور على خان الخليلي أمر لابد منه بالطبع فهو أشهر سوق شرقي ومنتجاته لها شهرة عالمية تاريخ الخان الخليلي لمنشأه الأمير جهاركس الخليلي , احد أمراء السلطان برقوق , المتوفى فى سنه 791 هـ ( 1389 م) فى مكان تربة الخلفاء الفاطميين , التى تجاور القصر الشرقي الكبير والتي كانت تعرف باسم تربة الزعفران , فلما رغب جهاركس فى بناء هذا الخان نبش تربة الزعفران وألقى بما كان بها من عظام على التلال الموجودة خارج القاهرة معتذرا عن ذلك بأن الفاطميين كانوا كفارا على أساس أنهم كانوا ينتمون للمذهب الشيعى .
وفي ربيع الثاني سنه 917 هـ ( يوليو سنة 1511 م ) هدم السلطان الغورى خان الخليلي وأنشأ مكانة حواصل وحوانيت وربوعا ووكالات يتوصل إليها من ثلاث بوابات . وقد هدمت هذه الحواصل وتلك الحوانيت وأعيد بناء الخان بعد ذلك .
و أقيم فى قلبه مؤخرا مقهى باسم الأديب العالمي نجيب محفوظ ، بعد ذلك تاتى اشهر مقاهي مصر والجمالية والذي يقع فى قلب الخان وهو مقهى الفيشاوي و هو شاهد عيان أيضا على تاريخ المنطقة وصاحبه فهمي الفيشاوى كان من فتوات الجمالية ولكن ليس الفتوات بالمعنى السلبى إنما كان هو الرجل الذى يحمى المكان وكانت القهوة هى المقر الذى يدير منه شئون المنطقة .