التحديات العشر التي
تواجه الاقتصاد المصري
شريف
دلاور
مهندس/ شريف دلاور هو
رجل أعمال مصري له خبره واسعة في قطاعات البترول والبتروكيماويات والمقاولات
والسلع الاستهلاكية عمل مستشارا مع منظمة التنمية الصناعية التابعة للأمم
المتحدة وله نشاط عام كبير في مصر. انتخب عدة مرات ليكون عضوا بمجالس إدارات
جمعية رجال أعمال الإسكندرية و الصندوق الاجتماعي للتنمية والشركة القابضة
للصناعات الكيماوية والجمعية العربية للإدارة . له عدة مؤلفات تتناول
بالتحليل قضايا التنمية الاقتصادية على المستوى المحلى والدولي. يحاضر في
جامعة الإسكندرية والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا. من أشهر مؤلفاته
كتاب"تحديث مصر"..
في
دراسة علمية استغرقت سنوات وشملت عشرة دول صناعية توصل فريق بحثي من جامعة
هارفرد بقيادة البروفسور"مايكل بورتر" خبير الاستراتيجية العالمي آلي تحديد
العناصر التي تركز عليها القدرة التنافسية لاقتصاد الدول وهي:
1-
منافسة محلية شديدة داخل الدولة نفسه 2- قاعدة عريضة وقوية من الموردين
المحليين 3- وعي مرتفع ومتطلبات مستمرة للمستهلك المحلي.وهكذا فإن "العالمية"
تبدأ بخلق الظروف المحلية المواتية، والاقتصاد المصري لكي يحقق هذه الشروط
يواجه مجموعة من التحديات سيؤدي التغلب عليها خلال السنوات القليلة القادمة
اللي الاندماج في القرن الواحد والعشرين ونحن علي قائمة دول التصدير، ويمكن
تصنيف هذه التحديات المترابطة والمتداخلة تحت العناوين العشر الآتية::
أولا: خطة واضحة للتنمية
الاقتصادية.
تأخذ
في الاعتبار عدة أهداف قومية منها هدف الأمن القومي وهدف تلبية الاحتياجات
العاجلة للمواطنين وهدف استمرارية النمو، أي الخطة التي تحدث التوازن الصعب
بين العناصر الثلاث الخاصة، بالدفاع والاستهلاك والاستثمار، وعلينا أن نتوخي
الحذر ولا نحاول تصوير التنمية الاقتصادية علي أنها"الاستقلال الاقتصادي" ،
أو التصنيع، أو الاحتفاظ بالأصول القديمة، فخطة التنمية الاقتصادية تتحدد
أساسا ببلوغ عدد من"معطيات التحديث" مثل زيادة الإنتاجية وتحقيق قدر من
المساواة الاقتصادية والاجتماعية وترسيخ المعرفة الحديثة وتطوير المؤسسات
الإنتاجية و الخدمية، ومن السائد ترجمة خطة التنمية بمجموعة من الأهداف
الثانوية الأخرى مثل عدد المواطنين تحت حد الفقر، والحد الأدنى للاستهلاك و
الحد الأقصى للبطالة وتوزيع الدخل وأشكال الاستهلاك والتنوع في الاقتصاد
القومي، وعلى سياسات الخطة محاولة "إحداث واستمرار" معدلات عالية من النمو
دون معدلات مرتفعة من التضخم، كما عليها أن تحدث التوازن الدقيق بين مزايا
الاندماج في الاقتصاد العالمي وبين مخاطر هذا الانفتاح على إمكانات الصناعة
الوطنية.
ثانيا: تشكيلة الإنتاج المصري.
أصبح
من الضروري تقييم الصناعة المصرية وتشكلية إ نتاجها ليس فقط علي اساس المزايا
النسبية لعوامل الإنتاج التقليدية (الأرض /العملة/رأس المال) ولكن على
المزايا التنافسية المبينة على المعرفة والتكنولوجيا، فلم يعد بإمكان المزيا
النسبية تحقيق قدرات تنافسية بالمعدلات التي عرفت في الستينات والسبعينات،
حيث تتشكل أسس المنافسة تدريجيا من عمليات خلق واستيعاب المعرفة. وعند أعداد
خريطة للصناعة المصرية علينا أن نضع في اعتبارنا مجموعة الحقائق التي ترسخت
فى نهاية هذا القرن .وأهمها أن الاقتصاد العالمي هو اقتصادا عالميا عابرا
للحدود. فقد أصبح الاستثمار يتعدي الحدود الجغرافية والسياسية وأسواق المال
تنظمها شبكة معلومات نشطة ودقيقة على مدار اليوم، وأكتسب عنصر البيئة بعدا
عالميا، كما صار التغير والتطور في التكنولوجيا والإدارة هم العنصر الحاسم في
معركة الإنتاج على المستوي العالمي. وعلي أجنده الصناعة المصرية أن تحدد أولا
الصناعات ذات الميزة النسبية في عوامل الإنتاج الأساسية. وهذا المحور هو نقطة
البداية ولكنه لا يضمن الاستمرار أو التقدم، فهذه الصناعات يجب أن تتحول آلي
مرحلة الابتكار دون المرور بمرحلة الاستثمار، وهذا بالتالي يجعل الاختيار
محكوما بمجموعة الصناعات التي لا تعتمد اعتمادا كبيرا علي اقتصاديات الحجم
(الصناعات الجلدية – النسيجية – الأثاث الغذائية الصناعات التعاقدية) ثم
تنتقل الاجندة بعد ذلك آلي يمكنها الاستمرار والتحول آلي الابتكار من خلال
الحصول علي أفضل تكنولوجيا0 متاحة يلي ذلك تحديد الصناعات التي يتعين دخولها
من خلال تحالفات عالمية لإمكان توفير أساليب الاستثمار والإدارة والتسويق
العالمية.
ثالثا : البطالة.
يندهش الكثير عندما يعلم أن اليابان
– وهي القوة الاقتصادية الكبري –لم يكن لديها خلال الخمسين سنة الماضية
سياسية اقتصادية بمعنى الكلمة بل أن الحيرة تنتاب الآن القيادات السياسية
اليابانية في وضع لأول مرة سياسة اقتصادية حديثة لا تتمشى مع الحكمة
التقليدية اليابانية ، فاليابان وعلي امتدار الفترة منذ الحرب العالمية
الثانية اتبعت أساسا "سياسة اجتماعية" نبعت منها التوجيهات الاقتصادية،
فالفرد والمجتمع اليابانيين كانا هما الهدف، ومصر بالذات لايمكن أن تضع مشكلة
تشغيل الملايين من العاطلين وطالبي العمل الجدد في مرتبة ثانوية، بل هي أهم
التحديات ليس أمام واضعي السياسات الاقتصادية فقط بل أمام المجتمع بأسرة ،
وهي تتطلب الفكر الاقتصادي الكلاسيكي، ويأتي التوسع وتشجيع مشروعات الخدمات
في مقدمة السياسات لامتصاص البطالة يليها الصناعات الصغيرة والحرفية، وسيكون
للتكنولوجيا الجديدة تأثيرا علي أنماط الأعمال والمهارات المطلوبة من القوي
العاملة حيث سيتم إلغاء كثير من المهن وخلق مهن أخري في مجالات جديدة وخاصة
في قطاع الخدمات الذي سيستمر في التوسع لاستيعاب النمو المتوقع في القوي
العاملة، ولكن التحول إلي مجتمع اتصالات والمعلومات سوف يتطلب مجموعة لم يسبق
لها مثيل من المهن والمهارات ،ولا يجوز بالتالي مقاومة التكنولوجيات الجديدة
لأن ذلك سيؤدي علي المدى الطويل آلي تدهور الصناعة المحلية وقدرتنا على
المنافسة أي زيادة البطالة
رابعا : التخصصية
نحن أمام عنصرين لآيكن
تجاهلهما في برنامج التخصصية: عنصر الإدارة المصرية وعنصر الرأسمالية
المصرية، فلن تجدي مجرد نقل ملكية المصانع من الدول آلي الأفراد لأن العنصر
الحاسم في الثنية هو"الإدارة"، كما يجب أن ندرك أن الرأسمالية الصناعية
المصرية مازالت حديثة ولم تحدث بعد تراكمات رأسمالية عالية، وبالتالي فإن
الإسراع في تخصيص منشآت الصناعة، أن رأس المال الأجنبي مطلوب وخاصة في مجال
التكنولوجيا والخبرات الإدارية وفي فتح أسواق خارجية ولكن بالقدر الذي لا
يقضي علي الرأسمالية المصرية في المهد! أن تركيز حوار التخصصية حول"إشكالية
الإدارة" سينقلنا من الأيديولوجيا آلي الواقع العملي حيث يتم قياس مزايا
وعيوب التخصصية في كل حالة بمقاييس الإدارة الحيدة، ويري بعض الاقتصاديين أن
برنامج التخصصية يجب أن يتجه أولا آلي فك الاحتكارات العامة في مجالات شبكات
التوزيع والنقل والمواصلات والطيران والكهرباء والغاز وخدمات البريد وغيرها
وتحويلها للقطاع الخاص (وهو أقدر في هذه الحالة علي أدارتها بشرط عدم وجود
احتكار) وذلك قبل عرض المشروعات الصناعية الكبيرة ، كما أن تحقيق نتائج
ملموسة وسريعة في هذه القطاعات الخدمة عند تخصيصها سيخلق الثقة لدي الجمهور
في عملية التخصصية برمتها ويحيي بالتالي تعاملات سوق المال بسرعة مما لا
يتوافر بنفس القدر في حالة الصناعة
:خامسا: التشريعات المساندة لاقتصاد السوق
.
تتطلب المرحلة القادمة من عمليات
الإصلاح الاقتصادي فهما متعمقا لآليات اقتصاد السوق ، لما تقتضيه هذه المرحلة
من ضوابط وتشريعات جديدة تؤمن الانتقال السليم نحو الرأسمالية ، وتقي
الاقتصاد المصري من سلبيات التجربة والتي قد تؤدي عواقبها آلي تعثر الإصلاح
برمته، وتأتي ضوابط منع الاحتكار وحماية المنافسة في مقدمة تلك التشريعات،
وتتعدد التشريعات لتشمل حماية المستهلك ،وحماية المساهم الصغير والممارسسات
غير المشروعة بالبورصة ، ونسب مشاركة الأجانب والشركات العالمية في المشروعات
المصرية، وتيسير شروط تصفية النشاط، وحماية حقوق الابتكار والملكية الفردية،
والجرائم الاقتصادية….الخ..
سادسا: الكيان الاقتصادي للحكم
المحلي:.
أن
الدور والمسئولية في النهوض بمستوي معيشة الأفراد يقعان أساسا علي القطاع
الخاص والحكم المحلي، وهما وجهان لنفس العملة في عملية التنمية الحديثة ،
فاقتصاد السوق يقوم علي دعامتين أساسيتين "القطاع الخاص والنظام اللامركزي
للحكم المحلي، ولايمكن بالتالي أن تتحقق كفاءة وفاعلية لدور القطاع الخاص في
التنمية دون تطوير لنظام الحكم المركزي بما يشمل قطاعات التعليم والصحة وبعض
أنواع الضرائب والإعفاءات كذلك في مجالات خدمات المياه والكهرباء والصرف
الصحي
سابعا: المؤسسات الوسيطة بين الدولة والسوق:
.
دور
الدولة جوهري في تنشيط واستمرار التنمية الاقتصادية، وهذا الدور يتضمن اتباع
سياسة صناعية انتقالية لصالح المشروعات التي تعاني من ارتفاع تكلفة البدء
ولصالح مشروعات التصدير ولصالح المشروعات التي تؤدي آلي خلق صناعات أخري،
والقضية التي نواجهها ليست أمرا مبسطا يضع "السوق" في مواجهة "الدولة" ولكنها
قضية بعث "المؤسسات الوسيطة" التي يؤدي غيابها آلي قيام خلل في مكونات النظام
الاقتصادي بحيث تقودنا التبادليات بين هذه المؤسسات آلي التصرف بأسلوب جماعي
رشيد، فالاقتصاد الذي يلائم مصر هو "اقتصاد مؤسسي" مبني علي التوازن بين
المؤسسات ، وتعتبر السوق إحدى هذه المؤسسات وسيكون لها دور واضح وهام في هذا
الاقتصاد المؤسسي يوازية أيضا قدر من التخطيط، فالاقتصاديات المؤسسية تنظر
آلي الاقتصاد نظرة أشمل من مجرد كونه آليات للسوق.
ثامنا: بنية الاتصالات والمعلومات:
.
تشتد
المنافسة في التكنولوجيا لأن الرهان ليس فقط علي الناحية الاقتصادية ولكنه
أيضا سياسيا واستراتيجيا وبدا يبرز نظام دولي جديد في العلم والتكنولوجيا من
شأنه إعادة تقسيم كعكة الاقتصاد العالمي وبمقتضاه صار الاختراع والابتكار
والإبداع هم الأسلحة الرئيسية للريادة الاقتصادية، وصارت المعرفة هي التي
تحرك الاقتصاد وليس الاقتصاد هو الذي يحرك المعرفة ، ولا يتأتي ذلك إلا من
خلال "بنية إلكترونية" للدولة وهي نظام الاتصالات والمعلومات بها الذي يربط
أجهزتها ومؤسساتها المختلفة كما يربطها بالعالم الخارجي وبنوك المعلومات
الدولية، وهو ما أصطلح علي تسمية "بالطرق السريعة الفائقة" حيث تقوم شبكة
الاتصالات والمعلومات بأي دولة بقام شبكات الطرق السريعة في عصر الثورة
الصناعية وتمثل بالتالي "الجهاز العصبي الإلكتروني" لاقتصاد القرن القرن
الواحد والعشرين.
تاسعا: التجارة الدولية
والتصدير.
لايمكن اتباع نموذج دول شرق آسيا ف
استراتيجياتها الأولية ذات التوجه التصديري نظر أنها تمت في ظل ثوابت عالمية
في الستينات ، بينما سيناريوهات التبادل التجاري تأخذ حاليا أشكالا مختلفة
ومتضاربة متمثلة في دور اتفاقية الجات وتزايد نصيب منتجات الصناعة التحويلية
في الصادرات العالمية وذلك يعني تراجع كافة الصادرات الأخرى وأن المستقبل هو
المنجات الصناعية التحويلية وبالذات تلك المعتمدة علي التكنولوجيا وهي منتجات
ذات قيمة عالية مضافة عالية، ويلزم ذلك أن تزيد قدرة مهندسينا في مجال
"التصميم الصناعي" وهي خبرة غير متوفرة لدينا حتى الآن بالإضافة أيضا إلي
"تصميم الملابس" ، حتى تأخذ صادراتنا من المنتجات المصنعة والنسيجية نصيبا
متزايدا في الصادرات العالمية، كما أن مصر يمكن أن تلعب دورا هاما في التجارة
العالمية للمنتجات اللينة لتوافر الموارد البشرية المؤهلة في هذا المجال ،
وتقتضي العوامل المستجدة في التجارة الدولية عقد اتفاقات جديدة مع التكتلات
العالمية وتحالفات استراتيجية مع الشركات العالمية وبالذات شركات التسويق
والتوزيع الكبرى، ودراسة إمكانية المشاركة علي أرض دول التكتلات لإمكان
التغلب على الحماية بها
عاشــرا : نخبة الإدارة.
لم
يشهد تاريخ البشرية تطورا لشكل مؤسسي بالسرعة التي نمت بها مؤسسةالادارة في
العالم الحديث، ففي أقل من مائة وخمسين عاما غيرت، الإدارة، من النسيج
الاجتماعي والاقتصادي للعالم بما لم تغيره أية مؤسسة من قبل. فهي قد خلقت
نمطا عالميا للاقتصاد ووضعت قواعد جديدة للدول التي تريد المشاركة فيه، هذه
هي حقيقة التسعينات فنحن نعيش في عصر "رأسمالية الإدارة " وعلينا الآن في
مصر، أن نتحرك من خلال مؤسسات جديدة ومواقف ومفاهيم جديدة تهيئ لنا مقدرة
التفاوض بندبة مع نظرائنا من قيادات الأعمال في العالم ، فعصر الدعم والحماية
الجمركية بدأ يتلاشى تدريجيا ، وتنتقل الحكومة من موقف التحكم آلي موقف
المساندة ، مما يدفع قطاع الأعمال آلي الاعتماد علي الذات بدلا من التبعية،
ومن ثم فإن الإدارة المصرية تواجه تحديا هائلا في إعادة تشكيل عقليتها وإعادة
توجيهه عمليتها لتواكب فكر وديناميكية السوق العالمي. أن الإدارة هي ممارسة
لنشاط فكرى عالي المستوي، والمواجهة بين قيادات الأعمال في العالم هي في
المقام الأول "مواجهة بين قدرات ثقافية" ، فالذين يديرون المنشآت يتسمون
بالمهارة والحذق في إدراك القضايا المعقدة وتحليل المشاكل ومناولة الأفكار
وتقييم الحلول ، وبالتالي فإن إدارة الأعمال في مصر يجب أن تسند آلي النخبة
المتميزة في المجتمع ومن المصريين العاملين بالخارج ، وعلي نظامنا التعليمي
والاجتماعي أن يؤمن ضخ أحسن العقول المصرية في قطاع الأعمال والقطاع الحكومي
علي السواء وهو ترهل البيروقراطية