كيف نحب الله
يقول المولى عز وجل في كتابه الحكيم والفرقان المبين بعد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ) 0
إن المتدبر والمتأمل لهذه الآية الكريمة يشعر بالخوف والرهبة من هذا الوعيد الشديد. وإنني أسأل نفسي واسالكم هل حبنا لله ورسوله والجهاد في سبيل الله أكبر من حبنا لهؤلاء الذين جاء ذكرهم في الآية السابقة : الآباء والأبناء والإخوان والزوجة والعشيرة والأموال؟ بالطبع فالكل سيجيب بأنه يحب الله ورسوله ولكن ما هو مقدار هذا الحب وكيف نشخصه؟
فإذا كان هذا الحب هو إدعاء فقط فهنا تكمن المشكلة ويكمن الخطر الداهم الذي ربما يكون سبباً في تحقق وعد الله فينا : فتربصوا حتى يأتي الله بأمره !
إذا دعونا نسأل أنفسنا كيف نحب الله تعالى ورسوله ؟: يقول العلماء اعرف الله حتى تحبه . فكلما زادت معرفة العبد بربه زاد حبه له. وكلما فكر في نعم الله عليه قوي حبه لربه لأن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها. ، فالإنسان بعقله يؤمن ، وبقلبه يحب ، وهل الإنسان إلا عقل يدرك ، وقلب يحب .. وقد ورد في الأثر: " أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً "
لابد أن نتعلم كيف نحب الله تعالى00اتعب .. وابحث .. ونقب .. وفتش عن كل طريق يوصلك إلى تعزيز محبة الله جل جلاله في قلبك حتى يمتلئ قلبك بمحبة الله جل في علاه ..
وحتى يتحقق حب الله وحب رسوله لا بد من توفر شرطين آخرين هما نبذ الدنيا وحب الآخرة . فالدنيا لا يجتمع حبها مع حب الآخرة في قلب واحد ولذا حذرنا منها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كثيرا ، من ذلك ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل. وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك. إن الدينا دار فناء وأن الآخرة دار بقاء فلا تركن إليها واجعلها في يدك ولا تسكنها قلبك واستعبدها ولا تجعلها تستعبدك ، انبذها وراء ظهرك ولا تجعلها نصب عينك وبذلك يزداد حبك لله 0قيام الليل مدرسة المؤمنين ومناجاة رب العالمين
الشوق إلى المسجد وللهرولة إليه للوقوف بين يدي الله بقلب يهتز في خشوع و خشية شديدة من الله تعالى ، يرجف لها قلبك ، تدفعك باستمرار إلى الفرار من مواطن سخط الله تعالى ، حتى لا تقع فيما يعرّضك لغضبه ..( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ )
التستر بالحجاب طاعة وحبا لله وطلبا لرضاه * بر الأم وطاعة الأب والنظر إليهما بحنان لأن الله امرنا بذلك وحبا في التقرب إليه, معاملة الناس بالحسنى والصبر على أذاهم ونصحهم بصدق والخوف عليهم كما نخاف على أنفسنا من النار, وعيادة المريض وصلة الأرحام والإحسان إلى الجار0البعد عن الهوى0 قد يكون من السهل أن ينسلخ الإنسان من جسده ، ولكن ما أصعب أن يخرج من هذا الجنون الذي يُـسمى : الهوى ..! ألا قاتل الله الهوى ..!
كم من إنسان أرداه الهوى ، فهوى ..!! ولقد قيل : ما سُـمي الهوى إلا من الهوان ..وكم من إنسان يستعبده الهوى من حيث لا يشعر0 وكثيرون يستعبدهم محراب الهوى وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا نسأل الله أن يحمينا وينير قلوبنا
اجهد جهدك ، واتعب تعبك لتحصيل هذه الجرعة .. وقد استقمت على الجادة التي توصلك إلى الفردوس .. وثق بوعد الله الذي لا يتخلف :
( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ )
اتعب 00ونقب 00 عن كل طريق يوصلك إلى تعزيز محبة الله جل جلاله في قلبك حتى توقد مجمرة قلبك بنار محبة الله جل في علاه00فإذا هبت نسائم تلك النار وتعطرت بها روحك ..
فقد انفتح لك باب تلج به إلى ملكوت الله لترى أنك قد ولدت من جديد ..أشبه بمن كان حبيس سجن ضيق مظلم ثم أطلق سراحه فتنفس الصعداء 0 ولا يطلقه من هذا السجن إلا أن تتولد في قلبه شوارق محبة الله تعالى وعلامتها الكبرى : أن يجد نفسه مندفعا للإقبال على الله تعالى على مدار الأربع وعشرين ساعة
إذا كان هذا الذي يقولونه في حب مخلوق لمخلوق ..
فكيف بحب من ليس كمثله شيء جل في علاه ..!
( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى )
جنة معجلة في الدنيا .. قبل جنة الآخرة التي أعدها لعباده المتقين
اللهم برحمتك ارحمنا ..
وبكرمك أكرمنا واشرق أنوار محبتك على قلوبنا ، حتى لا نحب سواك .
اللهم آمين ..
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ياالله
كفاني عزا أن تكون لي ربا . وكفاني فخرا أن أكون لك عبدا