عودة الى تاريخ مصــر
مصر دولة عربية تقع في الركن الشمالي الشرقي من إفريقيا، ويحدها البحر الأحمر من الشرق، والبحر الأبيض المتوسط من الشمال، والصحراء الليبية من الغرب، والسودان من الجنوب.
أما نهر النيل فهو أهم مصدر للحياة في مصر.
تُقسم مصر جغرافيا إلى إقليمين يعرفان بمصر العليا (المسمى بصعيد مصر) ومصر السفلى (شريط الدلتا)، وكلاهما يمتد على النيل تاركًا الصحراء على جانبي الوادي خالية إلا من آثار قديمة وشحيحة للحياة حول الواحات والبحيرات الجافة.
تمتد مصر العليا من الشلال الأول إلى حدود الدلتا.
وهنا يجري النيل وسط أرض صحراوية يحده شريط ضيق من الأراضي الزراعية التي يجرفها النيل من الهضبة الأثيوبية ويرسبها على ضفافه، وهي الأرض التي شكلت المرتكز الرئيسي للزراعة لآلاف السنين.
وتسيطر مصر السفلى على منطقة الدلتا حيث يتفرع النيل إلى مجريين رئيسيين ومجارٍ فرعية تصب في البحر الأبيض المتوسط أو تذوي في الدلتا حيث يوجد ثلثا الأراضي القابلة للزراعة في مصر كلها. إلى جانب ذلك، استخدم النيل وسيلة اتصال تربط بين أجزاء البلاد، فعمل على ربط المجموعات السكانية حوله بعضها ببعض، كما ساعد على نقل السلع وازدهار التجارة الداخلية.
وحين كان تيار النهر يساعد السفن الشراعية في غدوها شمالاً، كانت الرياح الموسمية الشمالية تدفعها في رواحها جنوبًا.
ولقد ساعد ذلك على إيجاد تكيُّف بيئي متجانس تفاعل فيه عطاء البيئة وإبداع الإنسان فأنتج إحدى أهم حضارات البشرية.
يمكن تقسيم مسيرة الحضارة البشرية في مصر إلى حقبتين رئيسيتين:
حقبة ما قبل التاريخ والحقبة التاريخية ويفصل بينهما ظهور الكتابة
وتقسم حقبة ما قبل التاريخ بدورها في مصر إلى حقب فرعية هي: العصر الحجري القديم (بأقسامه الثلاثة: الأسفل والأوسط والأعلى) والعصر الحجري الحديث، ثم العصر الحجري المعدني أو ما يعرف بفترة ما قبل الأسر.
أما الحقبة التاريخية فتقسم إلى عدة فترات تبدأ بالفترة الفرعونية التي تشمل الفترة القديمة ثم المملكة القديمة والوسطى والحديثة، ويتخلل هذه فترات اضمحلال حضاري وسياسي.
ثم تأتي الفترة المتأخرة التي تنتهي بغزو الإسكندر المقدوني للشرق، والتي تبدأ بها الفترة الكلاسيكية بشقيها البطلمي نسبة إلى بطليموس، والروماني.
ومع بداية الفتح الإسلامي لإفريقيا، تدخل مصر عصرها الإسلامي فتبقى جزءًا من الدولة الأموية ومن بعدها الدولة العباسية في أدوارها الأولى.
ثم تتعاقب عليها دويلات مستقلة في العصر الطولوني والإخشيدي والفاطمي والأيوبي والمملوكي والعثماني. وتدخل ضمن غيرها من بلدان الشرق الأدنى تحت سيطرة الاستعمار الأوروبي لتخرج منه في تاريخها المعاصر.
ما قبل التاريخ
العصر الحجري القديم
بحكم أن تاريخ أقدم وجود للإنسان والحضارة معروف لدينا يقارب ثلاثة ملايين من السنين في الأجزاء الشرقية من إفريقيا، فإن الموقع الذي تحتله مصر في الركن الشمالي الشرقي من تلك القارة يضعها في مصافّ المناطق التي شهدت وجودًا بشريًا وحضاريًا مبكرًا.
كذلك، فإن أقدم الأدلة الحضارية من شرقي البحر الأبيض المتوسط تصل إلى نحو مليوني سنة خلت.
ويعبر مصر الطريق البريّ الوحيد الذي يربط إفريقيا بشرقي البحر الأبيض المتوسط، وإن لم يكن من المستحيل بالطبع أن يقطع الإنسان الممر المائي عبر باب المندب في جنوب شبه الجزيرة العربية.
وأغلب الظن أن مصر قد عرفت الإنسان والحضارة منذ زمن يزيد على المليون سنة.
قد تم العثور على مواقع من الحقبة الأشولية التي تمثل المرحلة الثانية من العصر الحجري القديم الأسفل. يعود تاريخ الحضارات الأشولية في شرق إفريقيا إلى نحو 1,5 مليون سنة.
وفي مصر انتشرت تلك المواقع على مقربة من مجرى النيل وفي الواحات الصحراوية. وليس بغائب أن الصحراء في ذلك الحين كانت تتمتع ببيئة غنية بمواردها النباتية والحيوانية بحكم وفرة المياه فيها
شكلت الفؤوس الحجرية الأشولية السمة الحضارية المميزة لتلك الفترة وقد شملت فؤوسًا وسواطير ومكاشط وشظايا شملت مراحل التطور الأشولي الثلاث الأسفل والأوسط والأعلى.
وقد ارتكز اقتصاد تلك الجماعات على صيد الحيوانات البرية والأسماك وجمع الحبوب والنباتات والفاكهة البرية.
وفي العصر الحجري القديم الأوسط الذي ساد منذ نحو 100 ألف سنة وحتى 35 ألف سنة من وقتنا الحالي، عرفت مصر فيما يبدو ثلاث حضارات تميزها عن بعضها تقنية ونوع الأدوات الحجرية المستعملة فيها. ولاندري إن كان للفوارق الزمنية بينها أو الاختلاف الإقليمي دور في هذا الاختلاف.
وقد عثر على مواقع هذه الحضارات في منطقة الواحات وفي جنوب مصر ووسطها.
ويبدو أن كثرة المستنقعات في الدلتا في تلك الفترات جعلت منها منطقة غير مناسبة لجماعات الصيادين وجامعي القوت.
أما الحضارات فهي:
أ- الموستيرية التقليدية، وقد تميزت إلى جانب وجود الأدوات الحجرية الموستيرية بوجود فؤوس حجرية. وفي مراحلها المتأخرة ظهرت أنواع من الأدوات التي سادت في العصر الحجري القديم الأعلى مثل المكاشط الرأسية والمخارز والمناقيش.
ب- الموستيرية المنجلية، التي تميزت بارتفاع نسبة المناجل الحجرية فيها. ج- السانقوانية، والتي تكثر فيها المكاشط الجانبية والأدوات ذات الوجهين والشظايا المسننة وإن غابت عنها الخناجر والمحافير السانقوانية.
ومنذ نحو 25 ألف سنة خلت سادت حضارات العصر الحجري القديم الأعلى. وقد تميزت هذه الحضارات في مصر بارتفاع نسبة المناقيش والمناجل.
وقد توزعت مواقع شعوب هذه الحضارات في جنوب مصر ووسطها معتمدين على الصيد البري وصيد الأسماك أحيانًا وعلى الجمع.
ويبدو أن فترات جفاف قد سادت خلال النصف الثاني من هذه الحقبة قادت الإنسان والحيوان إلى العيش حول النيل بعد أن جفت الواحات والأودية في الصحاري.
وقد وجدت في مواقعهم أدوات حجرية شملت شظايا وشفرات قزمية (لايزيد طول الواحدة عن 3سم).
ولا يعرف ما إذا كان حجم المادة الخام (حصى المرو الصغير) أم الحاجة إلى أدوات صغيرة الحجم، هو الذي حكم تلك الظاهرة. وفي نهاية هذه المرحلة كثّف الإنسان مواقعه على ضفاف النيل وأظهر تباينًا واضحًا في طرق تكيّفه.
العصر الحجري الحديث
شمل العصر الحجري الحديث خصائص حضارية تمثلت في صقل الأدوات الحجرية وصناعة الفخار (الخزف) واستئناس الحيوان وممارسة الزراعة.
وعلى الرغم من أن هذه السمات لم تظهر في مكان واحد أو زمان واحد إلا أنها مثلت في مجملها قفزة حضارية كبرى، وكان لها آثار بعيدة المدى على مسيرة الحضارة البشرية.
وقد عرفت مناطق شرقي البحر الأبيض المتوسط استئناس الحيوان وممارسة الزراعة منذ الألف الثامن قبل الميلاد.
سادت ثقافات العصر الحجري الحديث في مصر خلال الفترة من الألف السابع إلى الخامس قبل الميلاد. وقد تباينت الأشياء التي عثر عليها.
ويبدو أن ذلك التباين يعود إلى طبيعة تكيّف المجتمعات البشرية على مختلف البيئات من ناحية (النيلية والصحراوية) وإلى الفوارق الزمنية بين تلك الحضارات من ناحية أخرى.
وقد جاءت المعرفة بتلك الحضارات من عدة مواقع في مصر من بينها مرمدة بني سلامة في الدلتا، والفيوم غرب النيل في وسط مصر، وحول الواحات الجافة في أطراف الصحراء الغربية، وفي النوبة المصرية.
كان بعض هذه المواقع قرى دائمة كبيرة الحجم بينما كان بعضها الآخر مستوطنات موسمية صغيرة إلى متوسطة المساحة.
وقد اعتمد السكان في غذائهم على صيد الحيوانات البرية وصيد الأسماك وجمع النباتات والفاكهة البرية وزرعوا القمح والشعير وربوا الضأن والماعز.
استعملت هذه الجماعات أنواعًا جيدة الصنع والحرق من الفخار. وقد تنوعت الأشكال والأحجام فشملت أواني الطهي والجرار والأكواب، وقد حمل بعضها زخارف جيدة على أسطحها الخارجية تراوحت بين الخطوط الغائرة المموجة والمستقيمة والأشكال الهندسية.
أما أدواتهم الحجرية فقد حوت أدوات صغيرة مصنعة على شظايا قزمية وأخرى على شظايا كبيرة؛ كما شملت فؤوسًا مصقولة ورؤوس سهام وحرابًا وأدوات صيد صنعت من مواد عضوية.
ومثلت الفنون جانبًا من حضارتهم حيث صنعوا دُمى من مختلف أنواع المادة الخام شكلوها في هيئات بشرية وحيوانية. ومارسوا بعض الطقوس الجنائزية فدفنوا موتاهم في داخل المستوطن وتحت أرضيات البيوت حيث يوضع الجثمان في شكل قرفصائي ويلف أحيانًا بالجلد أو الحصير وتوضع إلى جانبه بعض القرابين من أوانٍ فخارية وأدوات خاصة.
ما قبل الأُسر
قادت ثورة إنتاج الغذاء التي عرفها العصر الحجري الحديث إلى ازدهار القرى الزراعية، إذ أخذ بعضها يتطور ويتسع ويتحول إلى مراكز تقام فيها الأسواق وتبادل السلع من منتجات زراعية ومصنوعات، لمجموعة القرى الصغيرة من حولها.
ثم ما لبثت بعض هذه القرى، أن تحولت إلى مشيخات فرضت على ما حولها سلطة إدارية وسياسية.
وبالتالي تولدت وحدة إقليمية.
عرفت في مصر خلال هذه الفترة ثلاث مراحل حضارية متعاقبة هي:
أ- حضارة البداري: وقد تركزت في صعيد مصر حيث استقر أهلها في قرى زراعية على مقربة من النيل معتمدين على زراعة القمح والشعير وتربية الضأن والماعز إلى جانب صيد الأسماك والطيور.
وقد عرفت حضارتهم بفخار رفيع البناء جيد الصقل ومزخرف بأشكال نباتية.
أما أدواتهم فشملت رؤوس سهام ومناجل حجرية إلى جانب صنانير من المواد العضوية.
واقتصر استعمال النحاس على أدوات الزينة التي حوت أيضًا خرزًا وأساور من العظام والأصداف.
وصنعوا دمى طينية نسائية.
ب- نقادة 1: خلفت حضارة البداري في صعيد مصر.
وقد عرفت من مدافن ومواقع استيطان، وسادت خلال الفترة الممتدة بين 3800 - 3600ق.م.
اشتملت أدواتهم على سكاكين حجرية مصقولة ومقاليع حجرية.
وزاد استعمال النحاس ليشمل الدبابيس والمخارز.
أما الفخار فقد كان جيد الصنع ومزخرفًا بخطوط وأشكال هندسية بيضاء.
وعثر على الكثير من الدمى التي تحمل أشكالاً آدمية.
ج- نقادة 2: تنتشر مواقعها في الصعيد وفي الوجه البحري، حيث أقام السكان في أكواخ بسيطة من الطين والقش وصنعوا فخارًا يختلف عما عرفه أسلافهم إذ صُنِّع على هيئات حيوانية وحوى زخارف حيوانية ونباتية.
أما الأدوات الحجرية فشملت سكاكين ذات مقابض عاجية وشاع استعمال النحاس.
وبنهاية هذه الفترة، فيما يبدو، أفضت التطورات الحضارية إلى سيادة بعض القرى إداريًا على المناطق حولها، وسادت مشيخات يحظى بعضها بسلطات ونفوذ واسع. واستطاعت إحداها، مع بزوغ فجر التاريخ المصري، أن تفرض هيمنتها على مصر بكاملها.
انتظروا القادم