واستكمالا للحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية والغربية ، حضر الى مصر " يو جين بلاك " ، ليؤكد للحكومة المصرية ان البنك عند وعده الذي ارتبط به في شهر فبراير بشأن تمويل المشروع ، واكد ايضا ان الولايات المتحدة وبريطانيا لا يزالان عند وعدهما الذي قطعاه بالمساعدة في تمويل المشروع.
واعلنت مصر انها "ترغب في الاتفاق مع الغرب على تمويل مشروع السد العالي بعد ان وصلت الى اتفاق مع السودان ، وان الامر الان يتوقف على نية الدول الغربية".
وفي الوقت الذي صدر فيه هذا التصريح باستعداد مصر لقبول عرض الولايات المتحده والبنك الدول ، كان اعضاء الكونجرس الامريكي من عملاء الصهيونية ومؤيدي اسرائيل يوجهون أفذع النقد لمشروع المعونة لمصر ، وكان هناك فريق اخر في الكونجرس من الاعضاء الذين يمثلون الولايات الجنوبية يعارضون في المشروع خوفا من ان يؤدي السد العالي الى زيادة المساحة المنزرعه بالقطن المصري.
وكانت مؤامرة الانسحاب من تمويل المشروع قد اختمرت بين لندن وواشنطون ، وساعد على تنفيذها أن (دالاس) وزير خارجية الولايات المتحدة ، كان يعتقد ان الاتحاد السوفييتي لا يستطيع ان يجاذف بأمواله في مشروع ضخم كالسد العالي ، وان انسحاب الولايات المتحدة وبريطانيا من تمويل المشروع ، سوف يضع الاتحاد السوفييتي في مأزق يكشفه في الشرق الاوسط.
وفي 19 يولية اعلنت الولايات المتحدة بيان جارح لمصر انها تنسحب من مشروع التمويل المتفق عليه ، وهو بيان تعمد فيه دالاس ان يجرح الاقتصاد المصري ويشكك في المركز المالي لمصر ، ويدعي فيه ان "التطورات التي حدثت خلال السبعة اشهر الاخيرة لا تشجع على نجاح مشروع السد العالي ، وان حكومة الولايات المتحدة انتهت الى الرأي بأنها لا تستطيع في الظروف الراهنة ان تشترك في المشروع. فمصر لم تصل بعد الى اتفاق مع الدول التي تشترك معها في الانتفاع بمياه النيل ، واصبحت قدرتها على رصد أموال من ميزانيتها لنجاح المشروع أمرا مشكوكا فيه".
وفي اليوم التالي حذت انجلترا حذو الولايات المتحدة كما كان متفقا بينهما ، وفي مساء نفس اليوم (20يولية 1956) اعلن مدير البنك الدولي ان البنك لم يعد في قدرته المضي في القرض بعد انسحاب كلا من الولايات المتحدة وانجلترا.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
وردت مصر على الطعنة التي وجهت الى الاقتصاد المصري بأن أعلن رئيس الجمهورية تأميم قناة السويس ، وانتقال جميع ما للشركة من اموال وحقوق ، وما عليها من التزامات الى الدولة ، وحل جميع الهيئات واللجان القائمة وقتئذ على أدائها ، وتعويض المساهمين ، وان تشكل هيئة مستقلة تتولى ادارة مرفق المرور بالقناة ، كما نص القرار على تجميد اموال الشركة وحقوقها في مصر والخارج ، وحظر على البنوك والهيئات والافراد صرف اي مبلغ منها ، واصبح على جميع موظفي الشركة المؤممة ومستخدميها وعمالها ان يستمروا في اداء اعمالهم.
وكان لقرار تأميم قناة السويس صدى عالمي ارتجت له الدول الغربية وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة ، وكان اول رد فعل لذلك القرار المصري ان الحكومة البريطانية قررت تجميد ما كانت تملكه شركة قناة السويس من اموال ومستثمرات في بريطانيا ، وكان الهدف من ذلك القرار الحيلولة دون استيلاء هيئة قناة السويس المصرية الجديدة على تلك الاموال والمستثمرات تنفيذا لقرار التأميم ، والواقع ان هذا القرار البريطاني يعطل دون تعويض حملة الاسهم والحصص ، لان قانون التأميم نص على ان يكون التعويض رهنا بتحصيل اموال الشركة المؤممة واحتياطياتها كاملة سواء كانت في مصر او في الخارج .
وكان موقف الولايات المتحدة عدائيا منذ صدور قرار التأميم ، فقد اصدرت قرارا من جانبها منذ صدور قرار التأميم ، فقد اصدرت قرارا من جانبها بتجميد رؤوس الاموال المصرية عندها ، وسافر وزير خارجيتها (دلاس) الى لندن ليشترك في المحادثات التي كانت تجري بين انجلترا وفرنسا بشأن توحيد موقف الدول المنتفعة بقناة السويس ضد مصر ، وقد اصدر وزراء الخارجية باسم بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة بيانا في 2 اغسطس 1956 استنكار "قيام دولة واحدة ، بالاستيلاء التعسفي على هيئة دولية ... وانهم يعتبرون ان العمل الذي قامت به الحكومة المصرية يهدد حرية الملاحة في القناة وسلامتها التس ضمتها اتفاقية عام 1888" وختم البيان بان الدول الثلاث "ستتخذ الخطوات الكفيلة بانشاء تدابير لادارتها تحت اشراف جهاز دولي ... ولذلك تقرر عقد مؤتمر يجمع بين الدول الموقعه على الاتفاقية وبين الدول الاخرى المنتفعة بالملاحة في قناة السويس"
المصدر
عبد الحميد البطريق
، التيارات السياسية الحديثة
والمعاصرة (1851 -1970)