<table cellSpacing=0 cellPadding=0 width=66 align=center border=0><tr><td align=middle>
</TD></TR></TABLE>
كثيرا ما تحدث الاستاذ نجيب محفوظ في جلساتنا عن أم كلثوم التي كان لها في نفسه مكانة خاصة يمتزج فيها الفن بالمعزة الشخصية والطرب بالمشاعر الوطنية, حتي انه اطلق اسمها علي اولي بناته وسمي الثانية باسمها في احد أفلامها, ورغم انه لم يلتق بأم كلثوم إلامرة واحدة بمناسبة عيد ميلاده الـ50 عام1961 حين دعاها الاستاذ محمد حسنين هيكل الي الحفل الذي اقامته الأهرام بهذه المناسبة, إلا أنه شاهدها عشرات المرات وهي تشدو علي المسرح, وقد روي لي أنه كان يواظب علي حضور حفلاتها في مسرح الماجستيك بشارع عماد الدين في العشرينيات من القرن الماضي وقت كان أديبنا الأكبر طالبا في الصف الأول الثانوي.
وقد سألته يوما عن ذلك الخطاب الذي ارسله الي أم كلثوم في ذلك الوقت والذي ظلت تحتفظ به25 عاما, فقال: لقد كتبته لها بدون سابق معرفة, فقد كنت مجرد فرد من جمهورها العريض لكني كنت حريصا عليها فاقترحت في الخطاب ألا تقيم حفلاتها إلا مرة واحدة في الشهر ويبدو أن الفكرة اعجبتها فأخذت بها واحتفظت بالخطاب.
ولقدانتقلت أم كلثوم بعد ذلك إلي مسرح حديقة الأزبكية فارتفع سعر تذاكرها ثم صار من الصعوبة بمكان الحصول علي إحداها فاصبح الاستاذ يكتفي بالاستماع الي حفلاتها مذاعة في الراديو بالمقهي في الخميس الأول من كل شهر.
ويقول الاستاذ: من أجمل الاشياء التي فرحت بها انشاء محطة أم كلثوم التي كانت في بدايتها لا تذيع إلا أغانيها وحدها وكانت تبدأ في الخامسة بعد الظهر فكنت أحرص علي أن أصحو من النوم قبل ذلك كي أستمع إليها لمدة ساعة علي الأقل قبل أن أجلس الي الكتابة او أخرج للقاء الاصدقاء.
واسأل الاستاذ عن أحب اغاني أم كلثوم الي قلبه فيقول: لا أذكر انني استمعت إلي اغنية لأم كلثوم ولم اعشقها, وكان يحدث في بعض الاحيان ألا تعجبني إحدي الاغنيات الجديدة, لكن حين كنت استمع اليها ثانية تظهر لي مواطن الجمال فيها, وقد استمعت الي ما شدت به من الطقاطيق والأدوار الي المونولوجات والقصائد والتي غنتها جميعا قبل ان تتحول الي الاغنية الحديثة في الخمسينيات.
ثم يصمت الاستاذ قليلا ليعود فيقول ان ام كلثوم هي النيل بعمقه وتدفقه الأبدي, وهي ارض مصر الطيبة بخيراتها وثمارها اليانعة وهي الاهرامات بكبريائها الوطني وعزة نفسها.. إنها رفيقة العمر التي عشت معها جميع مراحل حياتي, من الصبا وفترة المراهقة الي الرجولة وسنوات الكهولة.
وتبدو علي أديبنا الأكبر علامات التأثر وهو يقول: من اشد ما اسفت عليه بسبب ضعف سمعي في السنوات الاخيرة انني لم اعد استطيع سماع صوت أم كلثوم وفي بعض الاحيان يكون الراديو مفتوحا في البيت وتجيئني اصوات نشاز تشبه التنعير فسأل ما هذه الضوضاء فيقولون لي انها أم كلثوم وعندئذ اكاد ابكي.